اللاجئون يهددون التوازن بين الطوائف اللبنانية

الخوف من التوطين... يمنع اللاجئين في لبنان من الحصول على حقوقهم

مخيم للاجئين السوريين في لبنان

اللاجئون يهددون التوازن بين الطوائف اللبنانية

* سجعان قزي: لـ«المجلة» لبنان بلد قائم على التوازن بين الطوائف، وهذا التوازن لا يعني المناصفة بين طوائفه 
 
* رفض التوطين والخوف من اندماج اللاجئين الفلسطينيين في المجتمع اللبناني، دفع السلطات اللبنانية إلى حرمان نحو نصف مليون فلسطيني من حقوقهم المدنية
 
* اللاجئ الفلسطيني في لبنان محروم من العمل في 73 مهنة، ومن حمل بطاقة العمل، مثل باقي العمال الأجانب في لبنان
 
* آخر تعداد لسكان لبنان تمّ إجراؤه قبل نحو 88 سنة!
قزي: يجب عودة السوريين إلى بلدهم من دون انتظار الحل السياسي في سوريا ...و لماذا لا يعيشون في مخيمات في الداخل السوري بدل العيش في مخيمات داخل لبنان؟

 

 

 

بيروت: لا شكّ أن النازحين الذي لجأوا إلى الأراضي اللبنانية منذ عقود يشكلون حتى اليوم أزمة حقيقية ينقسم حيالها المجتمع اللبناني، فمنذ أن أصبح لبنان ملجأ للنازحين الفلسطينيين منذ عام 1948 ومع موجة النزوح الكبرى للشعب السوري عام 2011، ولا يزال شبح التوطين يخيّم على الخلافات والخطابات السياسية بين الأحزاب اللبنانية.

الخوف من التوطين والتغيير الديموغرافي للبنان البلد الصغير مساحة، الذي كان المسيحيون فيه يشكلون غالبية عدد سكانه، وهو البلد الوحيد في الشرق الأوسط ذو الغالبية المسيحية، يرأسه مسيحي، وينقسم الحكم فيه مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. هذه الخصوصية التي اكتسبها لبنان بسبب تنوعه الطائفي والمذهبي يخشى اللبنانيون وخصوصا المسيحيين خسارته خصوصا مع وجود حوالي مليوني لاجئ بين فلسطيني وسوري غالبيتهم من المسلمين، يعيشون على امتداد الأراضي اللبنانية بعضهم في مخيمات عشوائية وآخرون مندمجون داخل الأحياء والمدن والقرى اللبنانية. 

 

أن تكون فلسطينيا في لبنان

رفض التوطين والخوف من اندماج اللاجئين الفلسطينيين في المجتمع اللبناني، دفع السلطات اللبنانية على مرّ السنوات إلى حرمان نحو نصف مليون فلسطيني من حقوقهم المدنية، خلافا لكثير من الدول العربية التي استقبلت اللاجئين الفلسطينيين وعاملتهم معاملة مواطنيها مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية. 

فاللاجئ الفلسطيني في لبنان محروم من العمل في حوالي 73 مهنة، ومن حمل بطاقة العمل، مثل باقي العمال الأجانب في لبنان، كذلك حرم الفلسطيني في لبنان من التملك، وإن كان يملك شقة أو عقارات قبل عام 2001، واستطاع تسجيلها قبل صدور القرار إلاّ أنّه لا يستطيع توريثها. هذا عدا عن أن المخيمات الفلسطينية في لبنان تغرق في البؤس والحرمان منذ نشأتها ومحرومة من أقل الحقوق الطبيعية التي يحتاجها الإنسان لكي يعيش بكرامة.  وكل هذا تحت عنوان الخوف من التوطين وحقّ العودة.

 

الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين 

 

خلل ديموغرافي

 

على الرغم من أنّ مقدمة الدستور اللبناني تؤكد الموقف النهائي للبنان من رفض التوطين، إلاّ أنّ التغيّر الديموغرافي الذي حصل في لبنان عبر السنوات، يجعل المسيحيين في لبنان في مواجهة دائمة مع مشروع «التوطين»، خصوصا أنّ مرسوم التجنيس الذي صدر عام 1994 كان السبب الرئيسي في الخلل الديموغرافي الذي حصل في لبنان، فبحسب ‫الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين الذي أكّد لـ«المجلة» أنّ قانون التجنيس حينها أنتج خللا كبيرا بالديموغرافيا في لبنان، فقد تجنّس حينها حوالي 160 ألف مسلم مقابل 40 ألف مسيحي، إضافة إلى ولادات المسلمين وهجرة المسيحيين إبان الحرب الأهلية كلّها عوامل عززت هذا الخلل.

ويشير شمس الدين إلى أنّ «إحصاء لجنة الحوار الوطني اللبناني الفلسطيني الذي صدر عام 2017 يقول إنّ عدد الفلسطينيين في لبنان لا يزيد على 174 ألف فلسطيني، إنما أرقام الدولية للمعلومات تشير إلى وجود حوالي 275 ألف فلسطيني غالبيتهم من المسلمين خصوصا أنّ غالبية المسيحيين الفلسطينيين جرى تجنيسهم وهم حوالي (30) ألفا».

ورفض شمس الدين اعتبار أنّ «اللاجئ لا يغيّر ديموغرافية البلد، فاللاجئ لا يصبح لبنانيا، ولا ينتخب،  لذلك لا تأثير فعليا على الديموغرافيا».

 

بالأرقام... أعداد اللاجئين في لبنان

لبنان دولة بلا أرقام رسميا، فآخر تعداد لسكان لبنان رسميا تمّ إجراؤه عام 1932، أيضا لا توجد في لبنان أرقام موحدة حول أعداد المهاجرين واللاجئين من العرب والأجانب، فهناك اليوم مصادرعدة للأرقام بحسب طبيعة عمل المؤسسات الحكومية، من وزارة العمل التي تمنح تراخيص العمل للأجانب في لبنان، إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي ترعى شؤون اللاجئين، إلى المديرية العامة للأمن العام اللبناني التي تمنح وثائق الإقامة وتأشيرات الدخول للأجانب، إلى إدارة الإحصاء المركزي التي تقوم بتحقيقات دورية، وتتولى مهام إصدار الدليل الإحصائي السنوي، إلى مصلحة النفوس في المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية، إلى غير ذلك من المديريات العامة. هذا الأمر فتح أبوابا أمام الاختلاف على الأرقام والتقديرات حول واقع المقيمين في لبنان من لبنانيين وأجانب وحتى مغتربين. ولكن في هذا التقرير سنستند إلى أرقام يمكن اعتبارها شبه رسمية. 

بحسب منظمة «الأونروا» في لبنان العام 2012، فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين على امتداد 12 مخيما في لبنان بلغ نحو436.154لاجئاً. كما سجلت «الأونروا» عدداً آخر من اللاجئين الفلسطينيين، الذين دخلوا لبنان هرباً وتمّ تسجيل نحو 44.000 لاجئ فلسطيني من سوريا حتى منتصف العام 2014.

أمّا النازحون السوريون في لبنان فقد بلغ عددهم بحسب سجلات المفوضية العليا للاجئين، نحو 1.178.035 لاجئا مسجلا، وذلك في 2-3-2015.وتشير التقديرات إلى أنّ عدد النازحين السوريين غير المسجلين يصل إلى نحو 500 ألف.

وبالنسبة لعدد اللاجئين العراقيين، فمنذ بداية الأزمة السورية، انتقل معظم اللاجئين العراقيين إلى لبنان، خصوصاً من المسيحيين الفارين من شمال العراق. يُضاف إلى هذه الأرقام أن عدد اللاجئين العراقيين في الخارج (كذلك بحسب تقديرات «الإسكوا» العام 2007)، كان يبلغ 2.279.200 لاجئ، بينهم الكثير من الأسر الميسورة التي تعيش في لبنان.

 

وزير العمل السابق سجعان قزي

 

الفلسطينيون والسوريون

في هذا السياق يرى وزير العمل السابق سجعان قزي في حديث لـ«المجلة» أنّ «لبنان بلد قائم على التوازن بين الطوائف، وهذا التوازن لا يعني المناصفة بين طوائفه أي أن يكون 50 في المائة من سكانه مسلمين ومثلهم مسيحيون، هذا يعني أنّ هذه الطوائف لا تسمح بتوطين أي لاجئ أو نازح أو مهاجر حتى لا تخلّ بالتركيبة اللبنانية».

وتابع: «لدينا عاملان يهددان التوازن هو وجود اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يقلّ عددهم عن 500 ألف، خلافا للأرقام التي أصدرتها لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني. والعامل الثاني هو النازحون السوريون الذين لا يقل عددهم عن المليون ونصف المليون، منهم 900 ألف مسجلين في هيئات الأمم المتحدة. نعم هم لم يأخذوا الجنسية اللبنانية حتى اليوم، ولكن التوطين له معنيان المعنى الأول هو التجنيس، أي أن يأخذ الأجنبي هوية البلد، والمعنى الثاني الاندماج أي أن يصبح الأجنبي جزءا لا يتجزأ من النسيج المجتمعي، وهذا الأمر يؤثر على النسيج الاجتماعي اللبناني والاقتصادي والتجاري وعلى فرص العمل والتربية، ويؤثر على الأموال التي تنفقها الدولة على الخدمات الأساسية، وهذا ما حصل بالفعل خصوصا مع دخول النازحين السوريين إلى لبنان، فهم يأخذون من أمام اللبناني الكهرباء والماء، وأيضا لم تبق وظيفة أو مهنة لم يعمل فيها السوريون، اجتاحوا سوق العمل من دون أن يقدموا على أخذ إجازات عمل، وهذا ما أثرّ على اليد العاملة اللبنانية».

ولفت قزي: «نحن اليوم نطالب بحلول، والحل المثالي والوطني والقومي برأيي هو عودة الفلسطينيين إلى فلسطين، ولكن هذه العودة لم تعد واقعية، خصوصا بعد مشروع صفقة القرن وحلّ الدولتين، وأساسا حق العودة الذي صدر في قانون 149 بعد تقسيم فلسطين ليس إلزاميا وهو يقول لمن يشاء، وبعد اتفاقية أوسلو أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أنهم لم يعودوا قادرين على تنفيذ حق العودة.

لذلك علينا مفاوضة العرب والأمم المتحدة والحل الواقعي هو إعادة انتشار الفلسطينيين في دول تستطيع أن تؤمن لهم السكن والعمل وحياة اجتماعية ومدارس وجامعات، لديها مساحة جغرافية وقدرات مالية بعكس لبنان الذي لا يملك المساحة الجغرافية والقدرات المالية. هذا المشروع لم يقبلوا به على الرغم من أنهم يعيشون حياة لا ترقى بالإنسان في المخيمات، وأيضا عندما تسنح لهم الفرصة بأن يهاجروا إلى أي بلد لا يترددون لكنهم رفضوا مشروعنا على الرغم من أنّه لمصلحتهم».

وتابع: «بالنسبة للنازحين السوريين يجب أن يعودوا إلى سوريا من دون انتظار الحل السياسي في سوريا لأن الحل ربما يأتي وربما لا يأتي. لماذا لا يعيشون في مخيمات في الداخل السوري بدل العيش في مخيمات داخل لبنان؟».

وأكّد قزي أنّ «خطر التجنيس هو خطر حقيقي، والخوف أن تفرض الدول إعطاءهم الجنسية، ففي تصريحات لأمين عام الأمم المتحدة عامي 2015 و2016 تدعو الدول التي تستضيف النازحين السوريين والنازحين الآخرين إلى استيعابهم ودمجهم إلى حدّ إعطائهم الجنسية، ولكن نحن لدينا وضع إسلامي مسيحي يجب احترامه، لذلك علينا أن لا نقبل ببقائهم، لكي لا نقضي على وجه لبنان الحقيقي الذي تغيّر ثقافيا وحضاريا وأن نصل إلى تغيير في الهيكلية الدستورية وهذا ما نخشاه كمسيحيين».

إذن على الرغم من تطمينات الشركاء المسلمين فإنّ رفض التوطين واحترام الدستور واجب عليهم أيضا، إلاّ أنّ الخوف المسيحي من التوطين مستمر مع استمرار وجود النازحين واللاجئين الذين اندمجوا في كل أحياء ومدن لبنان، خصوصا في ظل غياب التنظيم والإحصاء والرقابة من قبل الدولة اللبنانية. 

 

font change