مصطفى أمين يتوقع تغييرات مهمة في مصر!

في حوار خاص وشامل مع «المجلة»

مصطفى أمين يتوقع تغييرات مهمة في مصر!

* أتوقع إجراء انتخابات حرة في مصر... وعودة الأحزاب إلى نشاطها
* هناك من يقاوم اتجاه مبارك نحو الديمقراطية... وهؤلاء لم يتعلموا شيئاً من حادث المنصة
* مصر تحررت من معاهدة كامب ديفيد... لكن تمزيق الورقة يعني عودة الاحتلال
* سياسة أميركا في منتهى الغباء... فهي تكسب الانتخابات وتخسر العالم 
* حزب لصوص المدينة يتحرك تحت الأرض... ويطلق إشاعات ضد النظام الحالي 
* ليست هناك هيمنة أميركية على بلادنا 
* إذا جرت انتخابات حرة في مصر اليوم سيختار الشعب مبارك رئيساً 

يتوقع الكاتب الكبير مصطفى أمين حدوث تغييرات مهمة في مصر. 
يتوقع، في شكل خاص، أستناداً إلى معلوماته وتقييمه للأوضاع وخبرته الواسعة، أن تجرى أنتخابات نيابية حرة في مصر، وأن تعود الأحزاب السياسية إلى ممارسة نشاطها العلني في جو من الديمقراطية، وأن تبرز أحزاب جديدة على المسرح السياسي المصري منها حزب يؤلفه اثنان من أعضاء مجلس قيادة الثورة.
لكن مصطفى أمين يرى أن الاتجاه الديمقراطي الذي يسير فيه الرئيس حسني مبارك يعارضه من يسميهم «لصوص المدينة»، ويعارضه بعض الذين كانوا إلى جانب مبارك يوم اغتيل السادات ولم يتعلموا شيئاً من حادث المنصة. 
ويعتبر مصطفى أمين أن مصر قد تحررت، فعلاً، من معاهدة كامب ديفيد، وأنها لم تعد تجلس في أحضان أميركا بل إلى جانبها. ويرى، أيضاً، أن سياسة أميركا في الشرق الأوسط في منتهى الغباء. وأن أميركا تربح الانتخابات وتخسر العالم! ويتحدث مصطفى أمين بصراحته وجرأته. عن أمور كثيرة... في هذا الحوار الخاص والشامل مع «المجلة»...

 

الرئيس حسني مبارك مع مصطفى أمين 
 


 
* منذ سنة تقريباً، قلت في المقابلة التي أجريناها معك إن مصر في سنة أولى حرية، هل لا تزال مصر «في سنة أولى حرية»؟ وما تقييمك لتجربة الحرية والديمقراطية في عهد الرئيس حسني مبارك؟ وما ملاحظاتك عليها؟
- أهم شيء في مصر الآن أن الكاتب يستطيع أن يكتب رأيه ويهاجم الحكومة ويناقش أي قرار يتخذه الرئيس حسني مبارك، فلا يصدر أمر بمنعه من الكتابة، ولا يرسل إلى السجن، ولا يمنع من العمل في الصحافة، ولا ينقل إلى مصلحة السكك الحديدية أو مصلحة التليفونات أو وزارة الإسكان، كما كان يحدث خلال السنوات الثلاثين الماضية. أنا شخصياً لم يشطب لي حرف واحد من «فكرة».
من يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 1981، بينما كانت تشطب لي في السابق عدة أسطر من «فكرة»أو يحذف نصفها، أو تلغى كلها، ويقال لي: اكتب «فكرة»أخرى، وقد حدث عدة مرات أن أبدى الرئيس مبارك رأياً في قضية. وكتبت في اليوم التالي أعارض هذا الرأي. فلم يغضب الرئيس مبارك، ولم يغضب أي وزير من وزرائه. والجديد الذي حدث في مصر، أنني أكتب مثلاً «فكرة»حول موضوع معين، فيرد الوزير المختص على ما أكتبه في اليوم التالي، وقد كانت القاعدة في وقت من الأوقات أن لا يرد الوزراء على ما يكتبه الصحافيون والكتاب... إلا حين يريدون إصدار قرار بمنعهم من الكتابة أو فصلهم من العمل أو إرسالهم إلى السجن! ومعنى ذلك أن الرئيس مبارك لا يتصرف كرئيس تحرير، لكن بعض العاملين في الصحف والمجلات في مصر لا يزالون يتصرفون كأنهم نظار في عزبة الحاكم الخاصة. وأنا قلت بعد تأميم الصحافة في مصر إن الصحف أصبحت تدار كما تدار «العزب»التي كان يملكها رئيس الجمهورية آنذاك، وهي «عزب»مستقلة تمام الاستقلال عن الدولة ولا تطبق عليها قوانين الدولة... والحرية ليست أن أتمتع أنا وحدي بها. فأنا أتمتع بالحرية الآن. الحرية هي حرية الآخرين، ولا يزال بعض الصحافيين في مصر يعتبرون الصحف والمجلات «عزبهم»الخاصة، وبعد أن كان رئيس التحرير يكتب للملايين في مصر، أصبح يكتب للحكومة. 
عندما جرى تأميم الصحف في مصر قالوا لنا: لا يجوز لفرد أن يملك صحيفة! وبعد التأميم أصبح فرد واحد يملك كل الصحف. ولقد فهمت عندما جرى تأميم الصحافة عندنا أن الصحيفة ستصبح حديقة عامة يدخل إليها الشعب، ثم اكتشفت أنها أصبحت حديقة خاصة يركض فيها الحاكم وحده. 
الجديد مع الرئيس مبارك أنه أعاد صحف المعارضة إلى الحياة، وتركها تكتب ما تشاء. ونتيجة ذلك ارتفع توزيع صحف المعارضة المصرية. فالأولى منها توزع 200 ألف نسخة، والثانية 180 ألف نسخة، والثالثة 150 ألف نسخة. وهذا شيء جديد، ويدل على أن الشعب المصري متعطش إلى الحرية. 
بالطبع، بعض الناس في مصر «زعلانين»من صحف المعارضة، فهم لم يعتادوا على هذا العنف في المعارضة، «بل اعتادوا على الهمس لمدة 30 سنة»ويزعجهم الدوي بعد الصمت الطويل. ويقول هؤلاء إن نشاط صحف المعارضة يخلق فوضى في مصر، هؤلاء اعتادوا على سكون القبور، ولما خرج الناس من قبورهم ورفعوا أكفانهم أعلاماً «فوجئ»الذين أعتادوا، مدة 30 سنة، أن لا يسمعوا إلا صوت أنفسهم، ونعود إلى السؤال: هل لا نزال «في سنة أولى حرية»؟ 
سنة 1974 كنا في «سنة أولى حرية»وبعد عامين وجدنا أنفسنا في روضة الأطفال. لكن التغير الذي حدث هذه المرة أننا لا نزال «في سنة أولى حرية».
ونتساءل: لماذا تكتب صحف المعارضة المصرية بهذا العنف أحياناً؟ 
والرد بسيط: عندما تضع يدك على فمي لمدة 30 سنة ثم ترفعها، لا تنتظر مني أن أقول لك بهدوء: «تفضل قهوة، تفضل كوكاكولا»،بل أردد بعض اللعنات التي تراكمت داخلي 30 سنة. وبعد ذلك أقول لكن بهدوء: «تفضل قهوة، تفضل كوكاكولا». وأعتقد أن لهجة صحف المعارضة ستهدأ بعد فترة، عندما يعتاد الناس على الحرية.
 
الحرية قرار من مبارك 
 
* هل يعني ذلك أن الحرية في مصر لا تزال صادرة بقرار من الرئيس مبارك؟
- نعم، لا تزال الحرية في مصر حتى الآن هي عبارة عن قرار من الرئيس مبارك، وكل يوم يهددنا تلاميذ مدرسة الطغيان بأن قراراً سيصدر بمنع الحرية، أو أننا سنعود إلى الوراء. أو يقولون إن الرئيس مبارك هو «عبد الناصر جديد»أو إنه «سادات آخر»ومعلوماتي أن مبارك هو مبارك فقط. وهذا هو الأمل. لكن الغربان في البلد ولصوص المدينة يحاولون القضاء على ابتسامة الشعب المصري، وبدلاً من أن يقولوا له ما أؤكده كل يوم من أننا نسير إلى الأمام، يهددون الشعب المصري ويقولون له إننا سنعود إلى الوراء. وفي رأيي أن حقبة الثمانينات مختلفة تماماً عن الستينات أو السبعينات. وما كان يجوز من 30 سنة لا يجوز من 3 دقائق. وفي رأيي، أنه يجب أن نتابع السير إلى الأمام. 
 
الانتخابات ونشاط الأحزاب 
 
* ما معنى ذلك عملياً؟
- معنى السير إلى الأمام هو بدء إلغاء عدد من القوانين سيئة السمعة في مصر، مثل قانون الطوارئ (وهو أشبه بالأحكام العرفية) وقانون الصحافة الذي يجعل الصحافة المولود غير الشرعي لمجلس الصحافة الأعلى في مصر. وأعتقد أنهم سموا هذا المجلس بهذا الاسم لأن أعضاءه كانوا يجتمعون في الطابق الثاني عشر، لكنهم الآن يجتمعون في الطابق الثاني، لذلك أقترح تغيير اسم مجلس الصحافة الأعلى! ويجب أيضاً إلغاء قانون الاشتباه، وهو القانون الذي يعطي وزير الداخلية الحق في أن يعتقلك إذا وجدك جالساً واضعاً الساق على الساق في حضور وزير الأشغال! وأيضاً لا بد من الاستعداد للانتخابات النيابية المقبلة التي ستجرى في مصر 1984، ويتم فيها اختيار أعضاء مجلس الشعب. وقد حاول البعض أن يجعل هذه الانتخابات تجري بالقائمة لضمان حصول الحزب الوطني الحاكم على أغلبية المقاعد في مجلس الشعب، لكننا علمنا أن الرئيس مبارك أمر بسحب مشاريع هذه القوانين من مجلس الشعب، والعودة إلى الانتخابات على أساس الدائرة، كما كان يجري في مصر منذ قيام الحياة النيابية، الانتخابات النيابية في لبنان تجري، مثلاً، على أساس القائمة لأن هناك 17 طائفة دينية. أما مصر فليست فيها والحمد لله طائفية، وعندما تكون هناك حكومة ديمقراطية، تختفي الطائفية ويزول التعصب الديني. الطائفية لا تظهر الا مع الديكتاتورية. ومصر الآن لا طائفية فيها. نحن نتمنى أن تعطى فرصة لكي تمارس الأحزاب السياسية- التي تقوم الآن بنشاط «تحت الأرض»- نشاطها فوق الأرض، وبطريقة علنية وشرعية. أنا أتوقع، مثلاً، عودة حزب الوفد إلى ممارسة نشاطه، لأن القرار الذي أصدره فؤاد سراج الدين بحل حزب الوفد ليس قراراً قانونياً. إذ لم تؤيده الأغلبية في الحزب بل الأقلية. ولعل من المفيد أن نتوقف قليلاً عند هذه المسألة. فقد جرى «حل»حزب الوفد حين كان الدكتور مصطفى خليل أمينًا للاتحاد الاشتراكي (في عهد الرئيس الراحل السادات) فأرسل إليه فؤاد سراج الدين، رئيس حزب الوفد الجديد آنذاك، مذكرة يبلغه فيها أن الأغلبية في الحزب قررت حل هذا الحزب. فطلب الدكتور خليل من سراج الدين أن يرسل إليه قائمة بأسماء الأغلبية التي وافقت على حل الحزب، لكن سراج الدين لم يرسل إليه هذه القائمة حتى الآن. وبذلك يكون قرار حل حزب الوفد غير ذي موضوع. 
وأتوقع أيضاً، أن يؤلف عبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين (من أعضاء مجلس قيادة الثورة المصري) وممتاز نصار، حزباً جديداً باسم «حزب العدالة»- أو بأي حزب آخر- وتكون مهمته الدفاع عن مبادئ الثورة المصرية ومحاربة انحرافاتها. والأخطر في هذا السياق، أن الأحزاب السياسية الأخرى عينت بقرار من الرئيس (الراحل) السادات، وأقصد بذلك الحزب الوطني الحاكم، وحزب التجمع المعارض الذي يرأسه خالد محيي الدين، وحزب العمل الاشتراكي المعارض الذي يرأسه إبراهيم شكري، وحزب الأحرار الذي يرأسه مصطفى كامل مراد. 
وقد بلغ الأمر بالسادات أنه كان يجمع أشخاصاً لضمهم إلى عضوية حزب العمل الاشتراكي المعارض! كما أنه عين مصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار زعيماً للمعارضة في مصر! ولم نسمع من قبل أن زعيم المعارضة يعين بقرار جمهوري، وحدث بعد ذلك أن طرد السادات مصطفى كامل مراد زعيم المعارضة. 
وهذه الأحزاب تضم عدة أحزاب أو تيارات في حزب واحد، فحزب التجمع مثلاً يضم ناصريين وشيوعيين واشتراكيين، وأعتقد أن الناصريين سيؤلفون حزباً في مصر، وكذلك سيفعل الشيوعيون... والجماعات الإسلامية ترغب أيضاً في تأليف حزب، لكن هناك من يعترض على تأليف حزب إسلامي، لأن معنى هذا أن حزباً مسيحياً سيتألف بشكل أوتوماتيكي، وأتوقع، في حال عودة حزب الوفد إلى ممارسة نشاطه العلني، أن ينضم إليه أغلب الأقباط. ولا بد من التذكير هنا أن ثورة 1919 هي التي وحدت بين المسلمين والأقباط، فعندما ألف سعد زغلول حكومته الأولى رفع أسماء أعضائها إلى الملك فؤاد فأمسك الملك بالقائمة وقرأ الأسماء وعدها، ثم قال لسعد زغلول:

  • هناك خطأ في هذه القائمة؛ فهي تضم عشرة وزراء، ثمانية منهم مسلمون وقبطيان (مرقس حنا وزيراً للأشغال، وواصف بطرس غالي وزيراً للخارجية) ووفقاً للتقاليد يجب أن يكون هناك 9 وزراء مسلمين وقبطي واحد.
فقال سعد:
  • هذه ليست حكومة تقاليد بل حكومة ثورة، عندما نفانا الإنجليز إلى جزر السيشيل نفوا 6 زعماء؛ أربعة مسلمين وقبطيان، وعندما أصدر الإنجليز أحكاماً بالإعدام أعدموا 7 زعماء 4 مسلمين و3 أقباط، وعندما كانوا يطلقون علينا الرصاص لم يكونوا يراعون النسبة العددية، لهذا عندما نؤلف حكومة لا نراعي النسبة العددية. 

ووقع الملك فؤاد المرسوم.
وبلغ الحال في مصر، في تلك الأيام، أن واصف بطرس غالي انتخب نائباً وهو في باريس وفي دائرة ببا التي لم يكن فيها قبطي واحد.
وأعتقد أن الانتخابات النيابية المقبلة ستجعل كل حزب يأخذ شكله وحجمه الطبيعيين، وأتوقع أن تكون هذه الانتخابات حرة.


 
حزب لصوص المدينة
 
* يقول بعض المحللين إن عهد الرئيس مبارك أفسح المجال للحرية والديمقراطية ليس بسبب قوته بل لأنه لا يستطيع وقف هذه الموجة بعد اغتيال السادات. فما رأيك؟
- رأيي أن القمع ضعف والحرية قوة. ولا يلجأ الحاكم القوي إلى البطش إلا إذا لم يكن واثقاً من مركزه وأعتقد أن ما يقوله هؤلاء المحللين هو مجرد إشاعات. ومثل هذه الإشاعات يطلقها لصوص المدينة؛ ففي مصر حزب اسمه لصوص المدينة وهذا الحزب يتحرك وينشط تحت الأرض، وسيبقى تحت الأرض لأنه لا يملك شجاعة الظهور... بل هو يظهر في محكمة القيم، وزعماؤه يختارهم المدعي العام الاشتراكي، هؤلاء الناس يرون أن النهار عدوهم والليل حليفهم فالسرقة في الليل مريحة والسرقة في النهار شاقة ومتعبة وهم لذلك ينادون بإطفاء الأنوار ويعتبرون الشمس خارجة عن قانونهم وقاموسهم. بالطبع، أعضاء حزب لصوص المدينة أقوياء يملكون أموالاً لكنني أعتقد أن هذا الحزب أضعف كثيراً من الشعب المصري وأن الشعب المصري قادر على أن يسحقه في أية انتخابات نيابية حرة وكلما شعر لصوص المدينة بأن الحرية جاءت إلى المدينة لتقيم وتستقر لا كسائحة تنزل في فندق الهيلتون ثم تغادرنا إلى مدينة أخرى كلما شعر لصوص المدينة بذلك ينتابهم الخوف والذعر فيطلقون الإشاعات وبعض الذين عاشوا 30 سنة في السجن والمعتقلات وعانوا من التعذيب يخافون ويصدقون هذه الإشاعات أحياناً.
 
لم يتعلموا شيئاً من حادث المنصة
 
* تجربة المعارضة في مصر الآن مهمة بلا شك لكن هناك من يقول إن المعارضة المصرية- كأحزاب وأشخاص وصحف- لا تقوم بدورها كما يجب ولا تمارس لعبة المعارضة كما يحدث في الأنظمة الديمقراطية الغربية... وهناك من يقول إن المعارضة المصرية ليس لها أي تأثير فعلي على قرارات الحكومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأنها في واد والحكومة في واد آخر هل هذا التقييم صحيح وما رأيك بدور المعارضة المصرية الآن؟
- لا شك أن الحكومة المصرية تحسب للمعارضة كل حساب وأن صحفها ترفع صوتها عالياً وأن كل هذا الصوت يبدو أحياناً أعلى وأكبر من حجم هذه المعارضة والواقع أنه لا يمكن الاكتفاء بمعارضة يعينها رئيس الجمهورية بل ينبغي قيام معارضة ينتخبها الشعب وهذا يتم فعلاً بالسماح للأحزاب السياسية المصرية بممارسة نشاطها السياسي علناً وليس تحت الأرض. 
الوفديون يقومون بنشاط والشيوعيون يقومون بنشاط وكذلك الناصريون والإخوان المسلمون والآخرون، لكن هذا النشاط ليس له شكل شرعي أو ليس علنياً وبدلاً من أن تكون المعارضة خارج مجلس الشعب يجب أن تصبح داخله وتتحرك من هناك وأنا أتوقع حدوث ذلك برغم أن هناك من لا يزال يعارض الديمقراطية والغريب أن بعض الناس في مصر يقاومون اتجاه الرئيس مبارك وتصميمه على تحقيق الديمقراطية برغم أن هؤلاء كانوا جالسين مع مبارك وإلى جانبه في المنصة حين تم اغتيال السادات لكن هؤلاء لم يتعلموا شيئاً من حادث المنصة.
 
مصر تحررت من كامب ديفيد 
 
* الملاحظ أن العلاقات بين مصر وإسرائيل باردة أو متوترة وأن التطبيع مجمد عملياً، فهل تتوقع أن يصل الأمر إلى أبعد من ذلك أي إلى حد اتخاذ قرار من الرئيس مبارك بإلغاء معاهدة كامب ديفيد... خصوصاً أن هذه المعاهدة تشل دور مصر العربي؟
- إسرائيل هي التي جمدت معاهدة كامب ديفيد بهجومها على المفاعل النووي العراقي وباحتلالها لبنان وبمعاملتها الوحشية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة وبزرعها المستوطنات في هذه الأراضي. هذه كلها قبور دفنت فيها معاهدة كامب ديفيد.
 
* لكن هذه المعاهدة ما زالت حية من الناحية القانونية والرسمية...
- إيه يعني حية قانونياً؟ كيف تكون معاهدة كامب ديفيد حية فعلاً ونحن نحتج كل يوم على سياسة إسرائيل ونعارض احتلال لبنان ونطالب بدور لمنظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات السلام وبحكومة فلسطينية في المنفى... أعتقد أن مناحيم بيغن حرر مصر من كامب ديفيد بسياسته وتصرفاته ومواقفه... مصر محررة الآن من معاهدة كامب ديفيد... الغرض الرئيسي من معاهدة كامب ديفيد هو إبعاد مصر عن العرب سواء من حيث المواقف أو العلاقات؛ ما يحدث الآن أن الرئيس مبارك اقترب من الدول العربية بمواقفه وليس فقط بالكلام والتصريحات، لكن بعض الناس لا يصدقون أنني مسلم إذا أديت الصلوات الخمس وإذا حججت إلى بيت الله الحرام وإذا صمت شهر رمضان وإذا قلت الشهادتين وإذا أديت الزكاة بل يقولون إن إسلامك ناقص لأنك لم تقبل يد شيخ الأزهر، ماذا تستطيع دولة عربية كمصر أن تفعل أكثر مما فعله مبارك في مساعدة العراق، وفي الوقوف إلى جانب لبنان، بل في اعتبار أن «احتلال أي شبر من أرض لبنان هو بمثابة احتلال لأرض مصرية»، كما قال مبارك للرئيس ريغان في أحد اللقاءات... عاوزين إيه أكثر من كده؟ عاوزين تمزيق الورقة (معاهدة كامب ديفيد) لكي يقال إن مصر لا تحترم تعهداتها ولا المواثيق ولكي تعود إسرائيل إلى احتلال أرض مصرية ولكي نبدأ من جديد مفاوضات لتحرير هذه الأرض شبيهة بالمفاوضات الجارية حالياً مع لبنان؟ هل يريدون من مصر أن تذوق طعم الاحتلال مجدداً لقد ذقنا الاحتلال سنوات طويلة وهذا يكفي.
 
عروبة مصر لا تحتاج إلى شهادة 
 
* كيف يمكن إذن أن تصف العلاقات بين مصر والعرب الآن؟ وأية خطوات ينبغي القيام بها لتطوير هذه العلاقات وإعادتها إلى ما كانت عليه؟
- بين الحين والآخر يسأل البعض في العالم العربي من يقوم بالخطوة الأولى لإعادة العلاقات بين مصر والعرب؟ أعتقد أن مصر قامت بالخطوة الأولى بل بالخطوات الأولى حين طلب مبارك من رؤساء تحرير الصحف بعد أيام قليلة من توليه السلطة بعدم مهاجمة أي بلد عربي ولو هاجم هذا البلد مصر ورئيسها، كما قام بخطوة أخرى حين أرسل أسلحة إلى العراق بعدما طلب العراق ذلك، وإرسال الأسلحة إلى العراق مستمر حتى الآن، كما أن عدداً من المصريين تطوعوا في الجيش العراقي لمحاربة الإيرانيين، وقام مبارك أيضاً بخطوات أخرى بدعمه منظمة التحرير وموقف لبنان تجاه إسرائيل وبمساندته لأي موقف عربي في مواجهة أعداء العرب، وهنا لا بد من القول إن مصر عربية ولا تحتاج إلى شهادة لإثبات ذلك، مصرعربية من زمان زمان. أنا سجلت أنني عربي من عدة قرون. كنا عرباً حين قامت ثورة 1919 وتبعتها الدول العربية بثوراتها وتأثرت بها وقلدتها أحياناً، حتى أصبح بيت زعيم كل ثورة يسمى «بيت الأمة»ورئيس كل ثورة يسمى «الرئيس الجليل»كما كان الأمر مع سعد زغلول، نحن عرب من زمان، تصرفنا كعرب حين اعتقل الفرنسيون بشارة الخوري، ورياض الصلح، وعدداً من الزعماء اللبنانيين، فخرجت التظاهرات في مصر تنادي بسقوط فرنسا، وأرسل الملك فاروق برقيته الشهيرة إلى بشارة الخوري السجين في قلعة راشيا مؤكداً له دعمه، كنا عربا حين ساعدنا الجزائريين بالأسلحة، وقد ضربت مصر بالقنابل الفرنسية عام 1956 عقاباً لها على دعم الثوار الجزائريين، نحن عرب بكل نقطة دم سقطت من شهيد مصري، لقد كتبنا شهادتنا كعرب بدماء 200 ألف شهيد ونصف مليون مفقود أو معاق نتيجة حروب 1948 و1956 و1967 و1973 وعندما تسير في شوارع القاهرة تجد عشرات الآلاف من المعاقين الذين فقدوا أيديهم أو سيقانهم أو أشياء أخرى في أجسادهم، هؤلاء شهادة عروبة مصر، أضيف إلى ذلك أن مصر وضعت وتضع كل ثقلها مع أميركا والغرب لتأييد قضيتين: فلسطين ولبنان، وفي كل لقاء عقده الرئيس مبارك مع ريغان أو الرئيس الفرنسي ميتران أو رئيسة الوزراء البريطانية تاتشر أو مع أي زعيم غربي كان يتكلم عن فلسطين ولبنان تماما كما يتكلم عن مصر ولم يحدث أن استغرق الحديث عن مصر مدة أطول من الحديث عن فلسطين ولبنان والحملة المتبادلة التي جرت بين الفلسطينيين ومصر بعد قرارات المجلس الوطني الفلسطيني الأخير في الجزائر هو أمر يحدث بين الأشقاء العرب باستمرار، ونحن لا نلوم إخواننا الفلسطينيين على أي كلمة يقولونها لأننا نعتبر أن الإنسان المحروم من وطنه من حقه أن يقول ما يشاء وإذا كان ليس من حقنا أن ندافع عن أنفسنا حتى لا نجرح أحداً فمن واجبنا أن ننسى.
 
مبارك بين أميركا وروسيا
 
* كيف يتعامل الرئيس مبارك مع أميركا وروسيا بالمقارنة مع الرئيسين الراحلين عبد الناصر والسادات؟ وماذا تريد أميركا وروسيا من مصر؟
- أنا ضد ارتماء مصر في أحضان أي من المعسكرين. ومن مصلحة مصر أن تكون علاقاتها طيبة وجيدة مع المعسكرين، كنت أعارض ارتماء مصر في أحضان روسيا وقيامها بمحاربة أميركا، وأنا أعارض ارتماء مصر في أحضان أميركا وقيامها بمحاربة روسيا، نحن وكل الدول الصغيرة في حاجة إلى صداقة المعسكرين إذ لا يملك أي من المعسكرين القوة المطلقة. جاء وقت ارتمت فيه مصر في أحضان روسيا ووقت آخر ارتمت في أحضان أميركا. اليوم هناك توازن في علاقات مصر مع واشنطن وموسكو. علاقاتنا مع أميركا جيدة جداً لكننا نستقل عنها في سياستنا، فنحن نختلف مع أميركا حول فلسطين وحول طبيعة علاقاتها بإسرائيل وحول سياستها في الشرق الأوسط، ونحن نستخدم صداقتنا مع أميركا لنضغط في سبيل القضايا التي نؤمن بها، وقد أثبتت الأحداث أن من الخطأ أن نترك أميركا في أيدي إسرائيل وفي المقابل أنا أؤيد قيام علاقات طيبة مع روسيا وليس معنى علاقاتي الطيبة مع أميركا أن أسمح لها بتأليف حزب أميركي في مصر أو أسمح لها بالتدخل في الشؤون الداخلية المصرية فتعين بعض الوزراء ورؤساء التحرير أو تعترض على تعيين وزراء ورؤساء تحرير آخرين، لا... مصر مصممة على استقلالها التام وعلى هذا الأساس يجب أن نقيم علاقاتنا مع روسيا.
 
لا هيمنة أميركية على مصر 
 
* لكن صدرت مقالات وتصريحات في مصر منذ فترة تقول إن هناك هيمنة أميركية على مصر، هل هذا صحيح؟
- لا، هذا ليس صحيحاً، ليست هناك هيمنة أميركية أو غير أميركية على مصر، اليوم بيننا وبين أميركا علاقات اقتصادية وتجارية وثقافية وسياسية جيدة، كما أننا نشتري أسلحة من أميركا، لكننا في الوقت نفسه نشتري أسلحة من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والصين واليابان. ما أود أن أقوله إن مصر في عهد مبارك ليست جالسة على حجر أميركا، بل جالسة إلى جانب أميركا، وهناك مسافة في المقعد يستطيع أن يجلس فيها الاتحاد السوفياتي. ومصر لا تنوي أن تضرب أميركا بروسيا وروسيا بأميركا فهذه سياسة ثبت فشلها.
 
الحرب المقبلة نووية 
 
* لكن ماذا تريد أميركا وروسيا من مصر؟
- الدول الكبرى ليست جمعيات خيرية، بل يبدو أن الدول العربية وحدها جمعيات خيرية يساعد لله بالله وتضحي لله بالله كل دولة كبرى تعمل لمصلحتها أولاً وثانياً وثالثاً وبعد ذلك تنظر إلى مصالح الدول الأخرى أنا أرغب في أن تكون مصر دولة مستقلة ومستقرة في المنطقة لأن ذلك يدعم السلام لمصلحة الطرفين.
لا أريد أن تكون بلادي ساحة حرب تتنازع فيها أميركا وروسيا بل أفضل أن تكون ساحة تلتقي فيها الدولتان الكبيرتان عندما أساعد على تحقيق السلام في المنطقة أخدم أميركا وروسيا والعرب في وقت واحد، لكن عندما أكون فتيلة لإشعال القنبلة أنسف أميركا وروسيا والعرب معا وخصوصاً أن الحرب المقبلة ستكون حرباً نووية إذا وقعت. 
 
كلنا طابور خامس 
 
* خطة أميركا كانت منذ الخمسينات تهدف إلى عزل مصر عن العرب فهل هذه الخطة مستمرة إلى الآن؟
- إذا اتحدت الدول العربية لا يمكن أن تطبق أية خطة أميركية أو روسية علينا، انقساماتنا وخلافاتنا تفتح الطريق لتنفيذ بعض الخطط الأجنبية ضدنا أعتقد أننا كلنا طابور خامس بخلافاتنا وانقساماتنا.
 
الفساد استشرى في مصر 
 
* أين نجح الرئيس مبارك وأين فشل؟
- نجح ببدئه حملة تطهير مصر من الفساد والفاسدين، قدم إلى المحاكمة عدداً من الذين استغلوا نفوذهم كعصمت السادات ورشاد عثمان وتوفيق عبد الحي، لكن أعتقد أن أجهزة الدولة لا تستطيع أن تضع يدها على كل الفساد والفاسدين لأن الفساد استشرى وانتشر في مصر. إضاءة الأنوار هي التي تتولى كشف الفساد والفاسدين وهي التي سترعب الفاسدين الجدد. إضاءة الأنوار تعني حرية الصحافة، وحرية الصحافة تعني القليل من اللصوص، وتقييد الصحافة تعني الكثير من اللصوص، حرية الصحافة تعطي البلاد طلعت حرب، وتقييد الصحافة تعطي البلاد عصمت السادات. 
الأمر الثاني الذي نجح فيه مبارك هو تحسين العلاقات مع الدول العربية. والثالث تقوية وضع مصر دولياً، فبعد ما كان لنا صديق واحد (أميركا) أصبح لنا أصدقاء كثيرون، وقد علمتنا الأيام أن الصديق الواحد لا يستطيع أن يفعل كثيراً. 
الأمر الرابع إشاعة مناخ الحرية والديمقراطية وفتح السجون والقضاء على الفتنة الطائفية. 
نحن بالطبع نريد استعجال الأمور، لكن من الإنصاف القول إن مبارك ورث تركة مثقلة بالديون والأعباء، وهو يسدد فيها تدريجياً. البعض منا كان يتمنى أن يكون تسديد الديون بسرعة أكبر، لكن الديون ضخمة بشكل أنه لا يمكن تسديدها خلال عام ونصف العام، فالذي جرى هدمه خلال 30 سنة لا يمكن أن يعاد بناؤه في أقل من 30 شهراً. نحن نستعجل إقامة ناطحة السحاب ولا نريد أن ننتظر حتى إزالة كل الأنقاض.
 
* إذا جرت انتخابات حرة هل تعتقد أن المصريين سينتخبون مبارك رئيساً لهم؟
- إذا جرت انتخابات حرة اليوم سيختار المصريون حسني مبارك رئيساً لهم، وما أعرفه أن كل الأحزاب السياسية التي تألفت أو التي ستتألف تؤيد انتخاب مبارك رئيساً للجمهورية.
 
الإنجاز الكبير 
 
* ما هو الإنجاز الكبير الذي تنتظره من الرئيس مبارك؟
- الإنجاز الكبير هو إجراء انتخابات نيابية حرة وعودة الحكم العادي والقوانين العادية وتأمين حقوق الإنسان في مصر. وفي رأيي أنه إذا تأمنت حقوق الإنسان في مصر فإن ذلك سينعكس على عدد من الدول العربية التي تضطهد حقوق الإنسان لقد صدرنا إلى بعض الدول العربية المعتقلات والمحاكم الاستثنائية ومختلف أنواع القيود وآن الأوان لكي نصدر إليها حقوق الإنسان. أود أن أقول إن كل انقلاب عسكري ديكتاتوري حدث في أي بلد عربي أعلن في بيانه الأول حل البرلمان وتقييد الحريات وفرض الحكم الديكتاتوري من أجل تحرير فلسطين ولم يستطع ديكتاتور واحد أن يحرر شبراً واحداً من فلسطين.
 
تكسب انتخابات وتخسر العالم 
 
* ما تقييمك للدور الأميركي في الشرق الأوسط الآن؟ 
- السياسة الأميركية في الشرق الأوسط سياسة في منتهى الغباء، ولا يمكن عدو للولايات المتحدة أن يفعل في أميركا أكثر مما تفعله في نفسها، فهي تكسب انتخابات وتخسر العالم، ولا يمكن أن نتصور أن العقل الأميركي الذي اخترع كل هذا التقدم العلمي ووصل إلى القمر يعجز عن أن يصل إلى حقيقة الوضع في الشرق الأوسط ويدرك حقيقة المواقف.
 
نحن صنعنا إسرائيل
 
* هل صحيح أن منطقة الشرق الأوسط تعيش الآن ما يسمونه «العصر الإسرائيلي»؟
- الحروب يكسبها الأحرار، ويخسرها العبيد، وسيتعذر على إسرائيل أن تعربد في المنطقة كما تفعل الآن إذا كنا في وضع آخر، فاليد المقيدة لا تستطيع أن تطلق المدفع والعين المغمضة لا تستطيع أن تصيب الهدف والألسنة المقطوعة تميت الروح المعنوية، أعطني الحرية أعطك النصر، وأعتقد أننا نحن الذين صنعنا إسرائيل فنحن لسنا دولاً متخلفة كما يتهمنا البعض، فعندما تنقلب السيارة لا يكون الخطأ في السيارة بل في السائق، الكثير من السيارات التي نستعملها لا نستعمل فيها المحرك ولا نضع فيها البنزين بل نستعمل النفير (الزمور) فقط، ونتصور أن السيارة تسير. 

font change