المرأة السورية العاملة... أمر واقع وتحديات بالجملة

حرب ومجتمع محافظ ولجوء ونزوح

المرأة السورية العاملة... أمر واقع وتحديات بالجملة


* 25 في المائة من السوريات يدرن بيوتهن بمفردهن، وبعض النساء افتتحن أعمالهنّ الخاصة أو مراكز التدريب أو صالونات تجميل نسائية
* شاركت النساء السوريات في الاحتجاجات جنباً إلى جنب مع الرجال، ما وضعها أمام مصير واحد معهم من ملاحقة واغتيالات وابتزاز
* الحملة العسكرية التي شنها النظام السوري وعمليات التجنيد الإجباري، أحدثا أزمة ديموغرافية في البلاد وأسفرت عن مقتل نحو 500 ألف إنسان 80 في المائة منهم من الرجال
* قوة العمل النسائية باتت تعادل أربعة أضعاف الرجال في سوريا
* فرضت الظروف الراهنة على النساء السوريات تجربة مختلف أنواع المهن، بما فيها البناء والكهرباء والإمدادات الصحية وجلي البلاط والعمل على الجرارات وقيادة السيارات
* تواجه المرأة تحديات كبيرة في قطاع العمل، كمحدودية فرص العمل أو قلة توفر الخيارات، ولا سيما لصاحبات الشهادات
* فرضت ظروف الحرب في سوريا على كثير من النساء شكل حياة لم يكن مألوفاً أو مقبولاً في بيئاتهنّ، حتى اللواتي لم يكن مسموحاً لهنّ بالخروج من المنزل، بتن اليوم معيلات لأسرهنّ
 
 
لندن: ثقافة عمل المرأة جديدة في بعض الأوساط السورية التقليدية، عمرها بضع سنوات ازدهرت مع اندلاع الاحتجاجات، حيث لم يكن قبلها عمل المرأة مألوفا سوى لحاجة تفرضها الأوضاع الاقتصادية السيئة، وكل امرأة تعمل هي بالضرورة مضطرة، فيما لا يناسب عمل المرأة الطبقة الراقية، أو الفئات المحافظة، ويقتصر دور المرأة الفاعلة من الأسر الغنية على الصالونات الثقافية والأعمال التطوعية، بعيداً عن الأعمال المأجورة والبعيدة عن تخصصها، لكن ظروف الحرب فتحت أمام النساء أبواباً لم تفتحها لهنّ برامج تمكين المرأة وجمعيات وبرامج انتخابية تمحورت حول دعمها.
هذا التحوّل في ثقافة المجتمع لم يلبث أن دعّمه واقع الحرب الجديد، حيث لم يعد العمل ثقافة وتطوراً وحقاً، بل بات واجباً تفرضه الأوضاع المعيشية الصعبة في الداخل السوري، وقد تعرضت المرأة السورية لانتكاسات صعبة أثقلت حملها على مدار السنوات العشر الماضية، مع فقدان المنزل والمعيل من أب أو زوج أو أبناء، مروراً بالتشرد والنزوح ووصولاً إلى العمل في ظروف قاسية.
 
أزمة ديموغرافية وضعتها على المحكّ
 
شاركت النساء في الاحتجاجات في سوريا جنباً إلى جنب مع الرجال، ما وضعها أمام واقع واحد معهم من ملاحقة واغتيالات وابتزاز، ومع تحول مسار الاحتجاجات إلى العسكرة برزت المرأة السورية الناشطة والممرضة والمتطوعة، ودفعت الثمن الأقسى، وباتت المعيلة في غياب الرجل.
الحملة العسكرية التي شنها النظام السوري وعمليات التجنيد الإجباري، أحدثا أزمة ديموغرافية في البلاد وأسفرت عن مقتل نحو 500 ألف إنسان 80 في المائة منهم من الرجال، بحسب المركز السوري للدراسات، وقد غادر الملايين من الرجال سوريا لاجئين إلى دول الجوار وأوروبا، خوفا من التجنيد أو من العقاب إذا عادوا.
وأمام الواقع الجديد، والظروف الاقتصادية والإنسانية الصعبة، عملت المرأة السورية في مهنٍ كانت يوماً حكراً على الرجال، أو اضطرت للقبول بمهنٍ بعيدة كل البعد عن تخصصها، لتعيل نفسها وأسرتها وأطفالها، فعملت في الزراعة وهي صيدلانية، وفي الإنشاءات وهي حقوقية.
تقول سلام: «درست تخصص العلوم خمس سنوات، ولم أكن أخطط للعمل بعد التخرج، لكنني حين اضطررت للعمل، لم أجد عملاً ضمن تخصصي، ولجأت للعمل في محل للملابس، أسند من خلاله أسرتي، وهو عمل بعيد كل البعد عن دراستي التي أحببت».
وضعت سنوات الحرب في سوريا النساء والفتيات أمام واقع العمل لسد الفجوة الناتجة عن الظروف الاقتصادية المرهقة، حتى أنهنّ أحياناً كنّ المعيل الوحيد في ظل غياب قسريّ للرجل، بين اعتقال أو موت أو هجرة أو انخراط في الحرب مع أحد أطراف النزاع، وهو ما شكّل شيئاً فشيئاً تقبلاً اجتماعياً لعمل المرأة نتيجة الظروف الاجتماعية الاستثنائية، بعد أن رفضته أسرٌ سورية لسنوات.
وأظهرت دراسة قام بها صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن ما يقارب 145000 عائلة سورية تكون المرأة هي ربة هذه العوائل والمسؤولة الوحيدة عن تأمين كافة مستلزماتها بغياب الرجل عنها.
 
سيدات سوريات يعملن في مركز خياطة في مدينة دوما (غيتي)

أجور بالكاد تسدّ الرمق
 
مدير مرصد سوق العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية محمود الكوا، كشف أن قوة العمل النسائية باتت تعادل أربعة أضعاف الرجال في سوريا، إلا أن كل ليرة تنفق على مشروعات المرأة تعود على الدولة بأربع ليرات.
وقال الكوا لصحيفة «الوطن»: «نعاني من اختلالات في سوق العمل من ناحية المتقدمين، حيث يتركز أغلبهم على الإناث بنسبة كبيرة».
وقد فرضت الظروف الراهنة على النساء السوريات تجربة مختلف أنواع المهن، بما فيها البناء والكهرباء والإمدادات الصحية وجلي البلاط والعمل على الجرارات وقيادة السيارات، إلى جانب أعمال مارستها سابقاً كالخياطة والزرعة والتعليم وغيرها.
وأصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل العام الماضي، القرار رقم 482 لسنة 2017، المتعلق بنظام تشغيل النساء، والمتضمن الظروف والشروط والأحوال التي يجري فيها تشغيل النساء، إضافةً إلى الحقوق المترتبة على صاحب العمل.
وعلى الرغم من تراجع وتيرة الحرب في كثير من المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام، إلا أن وضع المرأة السورية العاملة لا يزال صعباً، حيث تتقاضى رواتب تصل في أحسن أحوالها إلى 130 ألف ليرة سورية (65 دولارا)، لكن حدها الأدنى 38 ألف ليرة سورية (19 دولارا)، ويتباين الراتب بحسب المؤهل الوظيفي في تلك المناطق. ونتيجة للحرب، تعرضت نسبة كبيرة من الفتيات إلى ظاهرة التسرب من المدارس، ما جعل المرأة السورية أكثر عرضة لظاهرة الجهل والأمية وبالتالي البطالة.
 
تحديات تواجهها وحدها
تواجه المرأة تحديات كبيرة في قطاع العمل، كمحدودية فرص العمل أو قلة توفر الخيارات، ولا سيما لصاحبات الشهادات. وقد رصدت دراسة لمؤسسة أورانج تغطي قدرة المرأة على الوصول إلى سوق العمل في سوريا، التحديات المحتملة لعمل النساء السوريات في المنظمات أو الشركات، وأهمها الخدمات اللوجستية، فقد واجهت 82 في المائة من المشاركات تحديات من حيث النقل ووجود مرافق للأطفال، وواجهت 55 في المائة من المشاركات مشكلات متعلقة بوجود الأطفال، وانعدام الأمن بنسبة 50 في المائة، بينما واجهت 43 في المائة تحديات متعلقة بظروف العمل، والالتزامات العائلية بنسبة 39 في المائة، والعادات الاجتماعية والثقافية بنسبة 30 في المائة.
وعن التحديات الأربعة الأولى، فيمكن إدارتها من قبل أصحاب العمل المحتملين من خلال إيجاد مرافق ومنشآت تقوم بدورها بحيث تكون ذات تأثير ممتاز. لكن العديد من الأسئلة ستطرح في حال غادرت الأمهات المنزل للذهاب إلى العمل، مثل: من الذي سيرعى الأطفال؟ هل هناك خدمات متاحة لترك الأطفال بضع ساعات خلال النهار؟ من سيدفع ثمن هذه الخدمات؟ فتكلفة هذه الخدمات هي أحد الأسباب التي تدفع أمهات الأطفال الصغار للبقاء بعيداً، وهي المعضلة التي لا حل لها مع الأجور القليلة وغلاء الأنشطة والروضات، ورغم أن القانون كفل للأم العاملة وجود روضة أطفال في مقر عملها، وتأمين نقل مجاني لها ولأطفالها، إلا أن هذا لم يحدث على أرض الواقع.
تحكي أم ماهر: «أعمل يومياً دون إجازات، صباحاً في مركز صحي، ومساءً في تنظيف البيوت، أعيل من خلال عملي أسرتي وأسرة ضرّتي، فزوجي هاجر إلى ألمانيا منذ سنوات. اضطر لترك أولادي في منزل ضرّتي التي دائماً ما تضربهم وتبتزّني بهم وتهدّد برميهم في الشارع في كل مرة أتأخر فيها عن العودة إلى المنزل».
 
أم يوسف، حموية، زوجها مفقود، أم لـ6 أطفال يعملون في صناعة الطوب في ظروف صعبة في مخيم قطمة في إدلب

فوضى من نوع آخر
 
في إدلب وريفها، أمام المرأة تحديات أخرى، فهي عُرضة للاعتقال والتغييب القسري من قبل النظام أو الفصائل المدعومة من تركيا أو القوات التركية. وعلى الرغم من ظهور بعض المنظمات المدعومة مالياً من الخارج والتي قدمت بعض الدعم للمرأة والبرامج التوعوية الخاصة بالمرأة، فإن المنطقة لا تزال مقيدة ومرهونة بالعادات والتقاليد، حيث حرمت الكثير من الأسر المرأة من حقها في التعليم.
وفيما يتعلق بتوفير الاحتياجات المعيشية، فإن نسبة قليلة جدًا من النساء يعملن في مهن مختلفة من أجل تأمين احتياجاتهن واحتياجات عائلاتهن، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، إضافة إلى أن نسبة الأمية مرتفعة إلى حد كبير في أوساط النساء اللواتي يبلغن من العمر 30 عاما وما فوق، كما أن نسبة الفقر والبطالة مرتفعة بحكم العادات والتقاليد التي تحد من فرص عمل المرأة.
وفي ظل سيطرة الفصائل المقاتلة على بعض مناطق إدلب وريفها وغياب الدور الحكومي، فإن دور المرأة يعتبر لاغيًا بشكل كامل في كل مفاصل الحياة، بحسب المرصد، وذلك بسبب الآيديولوجيا التي تفرضها الفصائل على المنطقة، حيث تصل نسبة البطالة لدى المرأة في تلك المناطق إلى 95 في المائة تقريبا، ويبلغ أجر من يعملن في مجال الزراعة 3 دولارات على الأكثر يومياً، فيما يقتصر دعم المنظمات المحلية والدولية للمرأة على الدعم الغذائي في سلة قد تكون شهرية في بعض الأحيان والتي لا تتجاوز قيمتها 40 دولارا في السوق المحلية. أما منظمات المجتمع المدني، فيكاد دورها يختفي في ظل سطوة الفصائل المقاتلة، والتي تفرض على المرأة قيوداً صارمة وتمنع أي نشاط نسائي يهدف لتحرر المرأة ومشاركتها في قيادة المجتمع.
 
وداد عتمرزية، منتجة أجبان سورية في قرية سامبوكو الإيطالية (فاو)

في دول اللجوء
 
أما عن واقع عمل المرأة السورية اللاجئة، فنتيجة للظروف المعيشية القاسية وصعوبة تأمين المواد الأساسية والغلاء وصعوبة إيجاد فرص العمل، خاصة في دول اللجوء التي تمنع السوريين من العمل، كما هو الحال في لبنان، فقد لجأت المرأة إلى امتهان أعمال يمكنها تنفيذها في المنزل كالطبخ والخياطة أو التجارة المنزلية.
أما في الدول التي تسمح للمرأة بالعمل كتركيا والأردن، فتبحث النساء عن فرص عمل متنازلات فيها عن الكثير من الامتيازات كالتأمين الصحي والإجازات، أو متقبّلات- فيما لا يدع مجالاً للاختيار- أعمالاً ضمن قطاعات محددة، فالأردن مثلاً سمحت للاجئين السوريين بالعمل في قطاع الزراعة والبناء والتصنيع فقط، والحصول على عمل في هذه المجالات المحدودة يحتاج تصريحاً للعمل، ناهيك عن التحدي الثقافي أمام المرأة اللاجئة في الاندماج وتعلّم اللغة قبل البحث عن عمل.
بحسب مركز «تمكين ودعم النساء» الأردني، فإن هناك نحو 28 في المائة، من العائلات السورية اللاجئة في الأردن، تقودها امرأة. شادية السالم، مقيمة في مخيم في ريف إدلب، ابنها يعاني من ضمور في الدماغ، وزوجها يعاني من شظية في الرأس، أُجبرت على النزوح بسبب هجوم النظام على قريتها، تقول في حديث لراديو «روزنا» إنها تعمل في ورشة خياطة لتأمين حياة كريمة لأسرتها وتأمين الأدوية لزوجها وابنها، وذلك بعد أن تعلمت الخياطة في ورشة تسمح للنساء بالتعلم ثم العمل.
وبحسب مسح أجرته منظمة «أوكسفام»، فقد حصلت 4 في المائة فقط من اللاجئات السوريات على تصاريح عمل نظامية، سواء داخل المخيمات أو خارجها.
عانت المرأة السورية الأمرّين قبل الحرب وبعدها، بين مجتمع رافض ومحافظ، وظروف حرب قاسية، فرضا عليها في كل مرة واقع غير محبّب صمدت أمامه بشجاعة وأصبحت الناشطة والمعلمة والأم. لكنّ ذلك لا يمكن أن يُخفي قسوة المجتمع قبل الحرب، فهو مجتمع رسم ملامح مستقبل نسائه وفرضه أمراً واقعاً، أُجبر على تغييره لاحقاً وتغييرها.
 
(الصورة الرئيسية: ملكة جزماتي، طاهية سورية لاجئة في ألمانيا، صاحبة مطعم «ملكه» في برلين)
 
 
font change