مأزق إيران الداخلي والإقليمي

مأزق إيران الداخلي والإقليمي

* مع السقوط السريع للعملة الإيرانية، ازدادت حالات الإصابة والوفاة بفيروس كورونا ووقعت حرائق وانفجارات متعددة في جميع أنحاء البلاد وأبرزها منشأة نطنز النووية
* لا يبدو أن إيران مستعدة لخوض أي مخاطرة تتجاوز التهديدات والحديث عن الانتقام

تعاني إيران من أزمة مالية منذ فرض العقوبات الأميركية عليها عدة أعوام، وكان لهذه الأزمة تداعيات خطيرة على وكلاء النظام في المنطقة. بيد أنه في غضون الشهور القليلة الماضية تسارعت وتيرة الأزمة لتصاحبها أزمات سياسية وصحية واجتماعية. وبناء عليه، تلقي هذه المشاكل المتزايدة ظلًا قاتمًا على ميليشيات إيران في المنطقة من العراق إلى سوريا، وأخيرًا وليس آخرًا بالتأكيد، لبنان.
ومع السقوط السريع للعملة الإيرانية أمام الدولار الأميركي، ازدادت حالات الإصابة والوفاة بفيروس كورونا المستجد ووقعت حرائق وانفجارات متعددة في جميع أنحاء البلاد وأبرزها منشأة نطنز النووية الإيرانية. ولكن في الآونة الأخيرة، على الرغم من محدودية الوصول إلى معلومات من إيران، خرج الناس مجددًا في احتجاجات ضد النظام. تستطيع إيران بالكاد التعامل مع إحدى هذه المشكلات، وسيكون من المستحيل تقريبًا تناول أو تقديم حل لبقية المشكلات في ظل تفاقمها وكثافة تداعياتها الإقليمية. هل يمكن لإيران الوصول إلى تسوية لكي تتجنب انهيارا اجتماعيا واقتصاديا كاملا؟
 
انهيارات متعددة
تشير أحدث التقارير الإيرانية إلى وفاة حوالي 16 ألف إيراني بسبب فيروس كوفيد-19، حيث وصل عدد المصابين إلى حوالي 277 ألف شخص. ومع ذلك، ذكر الرئيس الإيراني أن حوالي 25 مليون إيراني أصيبوا بعدوى فيروس كورونا. وأضاف روحاني أن هناك احتمالًا لتعرض ما بين 30 إلى 35 مليون شخص آخرين لخطر الإصابة، وأنه منذ تفشي الجائحة دخل أكثر من 200 ألف شخص في إيران إلى المستشفيات، وأنه من المحتمل أن يدخلها عدة ملايين آخرين في العام المقبل.
بالإضافة إلى كون هذه التوقعات سيئة، لا تمتلك الحكومة الإيرانية الموارد المالية اللازمة لتجهيز قطاعها الطبي ومؤسساتها الاجتماعية لمثل تلك الكارثة الصحية، مثل استيراد الأدوية والمعدات الطبية. وبحسب ما ذكرته التقارير، يوجد ثلاث ممرضات فقط لكل ألف مريض، بسبب تدهور الاقتصاد وتأثيره على القطاع الطبي في إيران.
وإلى جانب هذه الأزمة التي يمكنها بمفردها أن تقوض أي دولة، تعرضت إيران لعدد من الهجمات الداخلية والإقليمية. أعلنت إيران أن تفجير نطنز أسفر بالفعل عن أضرار جسيمة، وقد يتسبب في تراجع إنتاج أجهزة الطرد المركزي المتطورة. وعلى الرغم من أن مسؤولين إيرانيين اتهموا إسرائيل بالتفجير، لم يكن هناك أي رد انتقامي.
وفي العراق، تعاني إيران بعد أن كان عليها القبول برئيس وزراء من اختيار الولايات المتحدة- وهو مصطفى الكاظمي الذي يتخذ موقفًا صعبًا من الحرس الثوري الإيراني وميليشياته في العراق. وفي سوريا، تتصاعد الهجمات الإسرائيلية على المنشآت العسكرية الإيرانية، وخسرت إيران أغلب منشآت إنتاج الصواريخ عالية الدقة في سوريا على مدار الأعوام الثلاثة الماضية. ومرة أخرى، لم تتخذ إيران رد فعل انتقامي على الرغم من مقتل أحد عملاء حزب الله.
لا يبدو أن إيران مستعدة لخوض أي مخاطرة تتجاوز التهديدات والحديث عن الانتقام. وإن كان هناك ما تفعله، فهو أنها تُفَضِّل تجاهل الأضرار التي خلفتها تلك الاعتداءات والخسائر التي لحقت بمنشآتها العسكرية داخل البلاد وفي المنطقة على المخاطرة بتداعيات أي عمل انتقامي.
 
مأزق لبنان
في الوقت ذاته في لبنان، لا يحظى حزب الله، الميليشا الرئيسية لإيران والطفل المدلل للحرس الثوري الإيراني، بحالة جيدة. وبحسب تقارير محلية حديثة في لبنان، أصدر مجلس شورى حزب الله توصية للتنظيم بتحويل مدفوعات الرواتب من عملة الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية، بسبب نقص الدولار، وصعوبة وصول حزب الله إلى العملة الصعبة. بيد أن قيادة الحزب، وتحديدًا الأمين العام حسن نصر الله، رفض هذه التوصيات وقرر الاستمرار في تسديد الرواتب بالدولار الأميركي.
قد تلقي هذه المعلومة المُسربة الضوء على الأزمة المالية المتدهورة التي يتعرض لها حزب الله، والتي لا يبدو لها حل في أي وقت قريب. ولكن بينما يسعى حزب الله إلى تدارك آثار الأزمة على دوائره والمجتمع الشيعي بصفة عامة، سوف يكون عليه أيضًا التعامل مع مشكلة لبنان كذلك. دون وجود أي مساعدة دولية، يبدو أن لبنان ينحدر بسرعة إلى سيناريو فنزويلا في ظل ارتفاع معدلات التضخم المفرط والبطالة ونقص الخدمات والسلع. 
ومع تدهور الوضع في لبنان، يبدأ الشعب اللبناني- بما فيه العديد من الشيعة- في إدراك أن انتصارات حزب الله العسكرية المزعومة لم ولن توفر له الغذاء، وأن سيطرة حزب الله على المؤسسات الحكومية السياسية والمالية والأمنية في لبنان لن تؤدي إلا إلى إفلاس الدولة وشركاتها. وعلى الرغم من توقف الاحتجاجات، بسبب فيروس كورونا والقمع الأمني الذي يستهدف النشطاء، من المتوقع أن يستمر غضب الشعب وشعوره بالإحباط.
لا يهم حجم المحاولة التي يبذلها حزب الله لإلقاء اللوم على القطاع المصرفي والمصرف المركزي بالتسبب في أزمات لبنان وخسائر المواطنين، فمن الصعب تجاهل المشكلة الكبرى؛ وهي الفساد وحماية حزب الله لحلفائه ومؤسساته الفاسدين. إن مشكلة لبنان ليست مالية أو فنية؛ بل هي في صميمها سياسية، ومتصلة في الغالب بسيطرة إيران على مؤسسات لبنان، ولن يفيد سوى حل سياسي.
وحتى ذلك الحين، يحتاج لبنان إلى كل مساعدة يمكن الحصول عليها، ولا يعد توقف المحادثات مع صندوق النقد الدولي بادرة جيدة. كان طلب الصندوق بسيطًا؛ وهو توحيد الأعداد بين ممثلي الوفد اللبناني، وبدء تنفيذ إصلاحات أساسية. ولكن تُفضل النخبة السياسية اللبنانية الاستمرار في نهب أيا كان ما تبقى في المصرف المركزي والأصول المالية الأخرى على إنقاذ لبنان من انهيار كامل. وفي الوقت ذاته، يستمر حزب الله في خسارة قاعدة تأييده الشعبية، وناخبي حلفائه، وشرعيته.
عودة إلى السؤال الأساسي: في ظل كل هذه التحديات الداخلية والإقليمية، هل تتنازل إيران؟ يمكن القول إن إيران تنازلت بالفعل في العراق بالسماح بتعيين الكاظمي رئيسًا للوزراء، وبعدم الرد على القوات الأميركية عندما صرحت بأنها ستفعل. ويمكن القول أيضًا إن إيران تنازلت بالفعل في سوريا عندما شاركت نفوذها مع روسيا وعندما تجاهلت الضربات الإسرائيلية. وحتى في لبنان، يمكن القول إن حزب الله قد تنازل عندما أعطى الحكومة الضوء الأخضر للبدء في محادثات مع صندوق النقد الدولي. ولكن على الرغم من كل تلك المؤشرات على المرونة، لم تتنازل إيران بالفعل عما تعتبره أولويات؛ وهو سيطرة حزب الله الكاملة على لبنان، والوجود القوي لميليشياتها في جميع أنحاء المنطقة. ولم تتنازل إيران في اليمن، ولا مع نظام الأسد ولم تسمح بإجراء إصلاحات أساسية في لبنان.
ربما يعتقد النظام الإيراني أنه ليس عليه تقديم أي تنازلات الآن نظرًا لاحتمالية تغيير إدارة الولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، مما قد يؤدي إلى انخفاض الضغط على النظام ووكلائه في المنطقة. وحتى ذلك الحين، يجب عليهم تجنب الغرق في المستنقع وتحمل حملة الضغوط القصوى الأميركية الراهنة.
ولكن قد تكون هذه محض أمنيات، إذ إن عددًا من العقوبات، مثل قانون قيصر الأخير، يوافق عليها الحزبان، ولن تتغير في ظل الإدارة القادمة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون على الولايات المتحدة، في حالة صعود إدارة يرأسها بايدن، إعادة بدء المفاوضات قبل توقيع اتفاق آخر، وهو ما قد يستغرق أعوامًا. وربما لا يملك النظام الإيراني رفاهية الوقت.
 
* حنين غدار: باحثة في زمالة فريدمان الافتتاحية في برنامج غيدولد للسياسة العربية بمعهد واشنطن، وتركز على سياسة الشيعة في المشرق

font change