«المجلة» في رحلة بحث عن حقيقة الإتجار بالأعضاء في لبنان

«إعلانات بيع الكلى».. آخر أسلحة المواطن في بلد الأزمات

وهب الأعضاء يتطلب تقييماُ طبياً شاملاً (Unsplash)

«المجلة» في رحلة بحث عن حقيقة الإتجار بالأعضاء في لبنان

بيروت: لن نعيد تكرار الحديث عن المأساة التي يعيشها اللبنانيون، فالأمور أصبحت واضحة للجميع؛ الأزمات الأخيرة أنهكت قواهم وبعثرث آمالهم وطموحاتهم، والانهيار طال أمنهم الغذائي والصحي والمعيشي في ظل نظام متهرئ... حسناً، لا مجال للإطالة هنا ولا للظن، ولا حتى للبحث. فاللبناني يتخبط بأزمة تُصنّف الأولى عالمياً. نعتقد أنّ هذه الجملة كافية لتوصيف الوضع.
ما يستوقفنا اليوم هو انتشار أخبار تم تفسيرها على أساس انتشار «ظاهرة» بين صفوف المواطنين، تشي بأن «بعض اللبنانيين يعرضون بيع أعضائهم بآلاف الدولارات»، بسبب الانهيار المالي الحاصل هذا العام؛ حتى تم تداول أخبار حول «عمليات بيع أعضاء سارية في لبنان على قدم وساق وبشكل طبيعي». وهذا ما حرّكنا بحثاً عن الحقيقة: فكلمة بعض لا تعني شخصاً أو اثنين، فـ«بعض» قد تدل على ثلث أو ربما نصف الشعب الشعب اللبناني. فهل فعلاً يبيع اللبنانيون أعضاءهم في بلدهم؟ وما هي الوسيلة التي يتبعونها؟ ماذا عن دور الأجهزة الأمنية؟ والجمعيات التي تعنى بوهب الأعضاء؟ فلا يعقل أن يقف هؤلاء مكتوفي الأيدي أمام جرائم من هذا النوع. هذا التقرير يسلّط الضوء على جريمة من أكثر الجرائم وحشية بحق الإنسان. فماذا يحصل في لبنان؟ وما هي الحقيقة؟

إعلانات بيع واهية تفجّر قهر المواطن

نعم، رأينا أشخاصاً حتى قبل الانهيار الكارثي يعرضون على الملأ بيع الكلى على الطرقات، حقاً رأيناها قبل الأزمة المستفحلة بأعوام وليس اليوم. سألنا عنهم، بعد أن وجدنا من استطعنا الوصول إليهم سبيلاً، معافين وأصحاء. وعندما حاولنا سؤالهم عمّا غيّر رأيهم، واجهونا بالصمت. ربما هو صمت الخيبة، والشعور بالهوان والضعف، أو خوف من العقوبة، أو صمت صارخ بأنّ لا شيء أغلى من صحتنا ولا حتى أولادنا. النتيجة بحسب ما أخبرونا، لم يبيعوا أي عضو.
على محرّك البحث «غوغل»، تطالعنا أخبار مواقع عدة عن لبنانيين يريدون بيع كليتهم... تعقبنا بعض الأخبار وتواصلنا مع من استطعنا من الزملاء الصحافيين، وطلبنا منهم تزويدنا بطريقة اتصال بمواطنين أعلنوا أنهم يريدون بيع كلياتهم، بحسب ما أفادوا. وكان الجواب: «غادروا لبنان»، أو «لا نعرف عنهم شيئاً»، أو «يتعذر علينا ذلك».
في استكمال رحلتنا بالبحث عن الحقيقة حول ما وصفه بعض الإعلام بظاهرة الإتجار بالأعضاء، استوقفنا إعلان على صفحة «فيسبوك» مخصصة لبيع الأعضاء. لكن، الصفحة ليست لبنانية، والمتفاعلون ليسوا لبنانيين. الصفحة تتضمن إعلانات لمواطنين يعرضون كليتهم للبيع؛ ثم كثفنا البحث عن صفحات لبنانية على مواقع التواصل، فلم نجد.
لم نكتفِ بالعالم الافتراضي، بل تحققنا من بعض الجمعيات الحقوقية، وجمعية حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الحملات الإنسانية التي تعنى بحقوق الإنسان (إذ لا يوجد جمعية مخصصة لمتابعة الإتجار بالأعضاء في لبنان)؛ ليأتي الجواب: «لا، لا نعرف شيئاً عن الإتجار بالأعضاء، ولا تصلنا أي أخبار عن ذلك، ولا نتلقى اتصالات حول هذا الأمر».
توجهنا إلى الأجهزة الأمنية، تحديداً قوى الأمن الداخلي المسؤولة عن منع جرائم الإتجار بالبشر، سائلين عن إحصاءات حول لبنانيين قاموا ببيع أعضائهم، فكان الجواب اليقين: لا إحصاءات، ولا وجود «لبيع أعضاء في لبنان».
وتابعت قوى الأمن الداخلي في حديث لـ«المجلة»: «هناك قضايا مماثلة مخالفة للقانون لكن تتم السيطرة عليها»، في إشارة إلى عملية إتجار بالبشر حصلت في سبتمبر (أيلول) الماضي، كشفتها القوى الأمنية، وقبضت على أشخاص كانوا يقومون بجرم الإتجار، من خلال عملية بيع طفل، تمت عبر والد الطفل (سوري الجنسية) إلى أفراد يحملون الجنسية اللبنانية. وتم القبض على المشاركين في الجريمة، وتمت إحالة الطفل إلى إحدى الجمعيات التي تُعنى برعاية الأطفال القُصَّر، وأُودع الموقوفون الجهة المعنية لإجراء المقتضى القانوني بحقهم، بناءً على إشارة القضاء المختص. إلاّ أنّ الأجهزة نفسها عادت لتؤكد لنا أنّ «ظاهرة بيع الأعضاء ليست صحيحة».
هذا، ودعت الجهات الأمنية إلى التبليغ عن الصفحات التي تروّج لبيع الأعضاء عبر مواقع التواصل في حال وجودها، أو التبليغ عن أي شخص يعرض كليته للبيع، عبر خدمة «بلغ» أو صفحة قوى الأمن الداخلي على «فيسبوك» (عبر الخاص).

لبنانيون يروون لـ «المجلة» قصصهم المرّة بسبب الانهيار المالي

الهيئة الوطنية لوهب وزراعة الأعضاء: لا إتجار بالأعضاء في لبنان

""حملة إعلانية للتبرع بالأعضاء (الهيئة الوطنية لوهب وزراعة الأعضاء في لبنان)
حملة إعلانية للتبرع بالأعضاء (الهيئة الوطنية لوهب وزراعة الأعضاء في لبنان)


حتى كتابة السطور، لم يتم توثيق أي عملية إتجار بالأعضاء في لبنان بسبب الانهيار الاقتصادي هذا العام، فيما أكدت جمعية حقوق الإنسان أنّها لا تملك معلومات عن إتجار بالأعضاء يحصل في لبنان، ولم تتلقَ أي إخطار أو اتصال بهذا الخصوص؛ كما نفت جهات أمنية رسمية، هذا الأمر. بالمقابل، كشف موقع إخباري أجنبي تقريراً عن بيع لبنانيين لكلياتهم؛ وقد تم نسخ الخبر في أكثر من موقع لبناني.
في هذا الإطار، لفتت المنسّقة لدى الهيئة الوطنية لوهب وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية في لبنان، فريدة يونان، في حديث مع «المجلة» إلى أنّه لا تتوفر لديها معلومات عن تجارة الأعضاء في لبنان، وأكدت أنه «لا توجد تجارة أعضاء في لبنان منذ عام 2014». ولفتت إلى أنّ انتشار هكذا تقارير يساهم في تهميش قضية إنسانية مثل وهب الأعضاء، في تلميح إلى الأخبار التي انتشرت مؤخراً؛ إذ «عندما ينشر الإعلام هكذا أخبار مضلّلة، توقاً إلى الشهرة، لا يكثرث للضرر الذي سيلحق بالمرضى المنتظرين لهذا العلاج».
يونان التي أكدت عدم حصول إتجار بالأعضاء في لبنان، أشارت إلى أنّ «القانون اللبناني يمنع منعًا باتًا بيع الأعضاء ويُعاقب عليه. فقد وضعت وزارة الصحة العامة مع الهيئة الوطنية شروط وضوابط للوهب من الأحياء لحماية الواهب الحيّ ومنع أي عملية وهب غير قانونية». وأضافت أنّ الحالات التي استعانت بها التقارير الصحافية هي نفسها التي استخدمت من قبل زميل سويسري من موقع «ElPais»، والذي أكد في تقريره أنّ عمليات البيع حصلت خارج لبنان، أو أن المعلنين عن بيع كلياتهم بصدد التواصل مع بلدان أخرى خارج لبنان؛ مؤكدة: «هذا الأمر لا يعنينا وليس من مسؤوليتنا».
وعمّا إذا كانت الهيئة الوطنية لوهب وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية تتلقى اتصالات من لبنانيين يريدون بيع كلياتهم، قالت يونان: «غالبًا ما يتصل بنا أحدهم لهذا الغرض والبعض منهم يضعون إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن هذا لا يعني أنهم يستطيعون أن يصلوا إلى مرادهم، لأننا نشرح لهم بوضوح وبحزم أن القانون اللبناني يمنع بيع الأعضاء والجميع ملزم بتطبيق القانون».
يونان دعت إلى تفعيل ودعم برامج وهب الأعضاء، ووجهت بذلك رسالة عبر «المجلة» عن كيفية التبرع، وأشارت في هذا الخصوص إلى أنّ قانون الآداب الطبية رقم 240، المادة 30 منه والصادر في2012، «قد عيّن الهيئة الوطنية لوهب وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية (NOD-Lb) المرجع الرسمي الحصري والمخوّل بمراقبة كل عمليات وهب وزرع الأعضاء والأنسجة على كافة الأراضي اللبنانية، ووضع الشروط والضوابط الطبية والقانونية والأخلاقية لبرنامج الوهب من الأحياء والمتوفين. كما أنها مسؤولة عن تدريب العاملين في القطاع الصحي ووضع برنامج لتثقيف المجتمع على الوهب بعد الوفاة». وفنّدت يونان كيفية الوهب خلال الحياة وبعد الوفاة كالتالي:

 للوهب من الأحياء: القانون اللبناني يسمح بالوهب من الأقارب حتى الدرجة الرابعة، أما كل من يتخطى هذه الدرجة فيصبح واهبا غير قريب.
ومن الشروط والضوابط التي تحمي برنامج الوهب والزرع من الأحياء:
-    تقييم طبي شامل لكل من المريض المتلقي والواهب.
-    تقييم نفسي يؤكد أن المريض والواهب لا يعانيان من أي إضطراب عقلي أو نفسي يَمنع الوهب، وأنهما قد استوعبا استيعابًا كامل المخاطر والمضاعفات التي قد تَنتج عن عملية الوهب والزرع؛ وأن الوهب يتم دون أي ضغط نفسي أو مادي، وأنهما قد وقّعا استمارة الموافقة المستنيرة مع الطبيب المعالج والجراح.
-    تأمين كل الأوراق الثبوتية الأصلية على أن لا تتخطى 3 أشهر لإثبات صلة القرابة وأنهما من نفس الجنسية. أي من لبناني إلى لبناني وكذلك بالنسبة للجنسيات الأخرى، مثلا من عراقي إلى عراقي.
-    يُدرَس كامل الملف الطبي للمريض والواهب من قبل لجنة الأخلاقيات، بعد مقابلة كل من المريض المتلقي والواهب على انفراد، للتأكد من عدم وجود أي مانع أخلاقي للوهب أو ضغط مادي أو معنوي.
-    تدقق الهيئة الوطنية في الملف وتتأكد من استيفائه الشروط القانونية لإتمام عملية الزرع. وترسل كتابًا إلى وزير الصحة العامة الذي يصدر قرارا بالموافقة أو عدم الموافقة على إجراء عملية الزرع مهما كانت الجهة الضامنة للمريض المتلقي والواهب وحتى إذا كانت العملية على حساب المريض الخاص أو إذا كان المريض غير لبناني.
للوهب بعد الوفاة: يتعيّن على الواهب أن يُعبّر عن رغبته في حياته وأن يُعلم عائلته بذلك؛ حيث إنه بعد حصول الوفاة، من مسؤولية الهيئة الوطنية أخذ موافقة العائلة خطيا، أي توقيع المسؤول المباشر من القرابة- الدرجة الأولى مع شاهد من العائلة، في حال وجدت بطاقة تبرع أو لم توجد. في كل الحالات، القانون اللبناني يعطي العائلة حق القبول بالوهب أو المعارضة عليه.
وعن عدد المواطنين الذين عبروا عن رغبتهم في وهب أعضائهم بعد الوفاة، كشفت يونان أنّ العدد تعدى 33000 مواطن، و«نحن نطمح في أن نصل إلى عدد أكبر، أي ما يعادل نصف الشعب اللبناني».
وبمناسبة اليوم العالمي لوهب الأعضاء، الذي يصادف 17 أكتوبر (تشرين الأول)، دعت المنسّقة لدى الهيئة الوطنية لوهب وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية في لبنان، المؤسسات الإعلامية إلى التحرّك والتعاون مع كل الهيئات المماثلة للهيئة الوطنية «لتسليط الضوء على كيفية تنشيط برامج وهب الأعضاء من المتوفين في منطقتنا وعلى حاجات المرضى المنتظرين وإبعاد هذه القضية الإنسانية عن المتاهات السياسية والسبق الصحافي، لأن وهب الأعضاء فوق كل اعتبار سياسي، طائفي، عنصري وجغرافي». وقالت: «للإعلام دور كبير، فهو يستطيع من موقعه المهني نشر ثقافة الوهب بعد الوفاة بطريقة علمية وموضوعية، كما أن دور رجال الدين مهم جدا أيضا بنشر هذه الثقافة من خلال دور العبادة».

الإتجار بالاعضاء من وجهة نظر القانون

المحامي بالاستئناف والأستاذ الجامعي، دكتور بسام المهتار
المحامي بالاستئناف والأستاذ الجامعي، دكتور بسام المهتار

وعن ماهية الإتجار بالأعضاء من المنظور القانوني وعقوبته وطرق مكافحته، أجرت «المجلة» حواراً مع المحامي بالاستئناف والأستاذ الجامعي الدكتور بسام المهتار الذي أشار إلى أنّ موضوع تجارة الأعضاء يكتسب أهمية بالغة على ضوء التقدم الطبي الهائل، وسهولة وسائل الاتصالات والمواصلات، معتبراً جريمة الإتجار بالأعضاء البشرية من أخطر الجرائم المنظمة التي تتجاوز حدود الدول وتهدّد النظام العام العالمي، وتتطلب اشتراك عدة جناة: الوسيط، والبائع، والمشتري، مما يتطلب تناغما وتنسيقا دوليا للقضاء عليها، أو للحد من انتشارها بالحد الأدنى.
كما لفت المهتار إلى أنّ اتفاقية باليرمو 2000 عرّفت بروتوكول «منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية»، وتبنت القوانين الوضعية الوطنية ذات التعريف، كجريمة الإتجار بالاشخاص ومنها الإتجار بالأعضاء، وصنفتها على أنّها اجتذاب شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو تقديم مأوى له، بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير، وذلك بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو الاختطاف أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا.. ومن المتعارف عليه أن عبارة الاستغلال تشمل إرغام المجنى عليه على ارتكاب أفعال يعاقب عليها القانون، لا سيما نزع أعضاء أو أنسجة من جسم المجنى عليه، وبالتالي يدخل أيضاً ضمن هذا التعريف، وتُجرّم عمليات بيع وحدات الدم كونها تتألف من خلايا مترابطة فيما بينها.
وهذه النصوص برأي المهتار، تمنح القاضي الذي ينظر القضية سلطة واسعة جدا لإدراج أي فعل أو لضم أي عملية يستشف منها عملية إتجار بالأعضاء أو إحدى حالاتها تحت هذا المسمى، مما ينعكس بطبيعة الحال على تشديد العقوبة واتباع الإجراءات المعمول بها في هذه الخصوص.
وفيما يتعلّق بالعقوبة، يلفت المحامي بالاستئناف إلى أنّ هناك إشكاليات عديدة تندرج تحت هذا العنوان. ويتابع أن جميع الدول الموّقعة على بروتوكول باليرمو 2000 أو غير الموقعّة على هذا البروتوكول، تجرّم الإتجار بالأعضاء بعقوبات جنائية متشددة، خاصة إذا نتج عنها عطل دائم أو موت الشخص، وتتخذ الإجراءات القضائية والأمنية والاجتماعية الكفيلة بمحاربة هذه الظاهرة، والآيلة إلى تأهيل الضحايا ولو بالحد الأدنى؛ «إذ إن الإتجار بالأعضاء يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان في سلامة الجسد والأعضاء والحياة، وحرّمته الشرائع السماوية التي تعتمد الدين كمصدر أساسي للتشريع، كبعض الدول الإسلامية التي تعارض أي فعل فيه امتهان لكرامة الإنسان أو الحط من آدميته، إذ خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وفضّله على سائر المخلوقات».
وأضاف المهتار: «أما الإشكالية الحقيقية فتثور عندما يقدم أشخاص بالغون على وهب، أو بيع إعضائهم مقابل بدل مادي أو الترويج لهذه التجارة، وتدخل في هذا الإطار المواقع الإعلانية أو الترويجية لهذه الأفعال. بطبيعة الحال هذه الإشكالية لا تثور إطلاقاً بالنسبة للأطفال، ومن منظور برتوكول باليرمو 2000، أنّ الطفل هو كل شخص لم يبلغ الثماني عشرة سنة، وبالتالي يجرّم بأقصى العقوبات كل تعامل وارد على أعضاء الطفل بقطع النظر عن أي تبرير، لا سيّما وأن هذا البروتوكول خُصص لحماية الأطفال والنساء».
ولا تطرح هذه الإشكالية في حالة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة. أما بين الأحياء البالغين، فينبغي التدقيق جيداً في كل حالة، بحسب المهتار، الذي أشار إلى أنّه إذا استشف القاضي مكيدة ما أو تستر على جرم إتجار بالأعضاء وفق المفهوم المعرّف عنه سابقاً، أنزل العقوبة المناسبة؛ «إذ إن كل فعل يندرج تحت إطار مفهوم الإتجار بالأعضاء يجرّم مباشرة سواء أكان راشداً أو قاصراً، ذكراً أو أنثى، حتى لو وافق الراشد أو وافق وصي القاصر القانوني أو وليه أو من يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية. كذلك الأمر، تُجرّم المواقع الترويجية لهذه الأعمال بعقوبة المحرض أو الفاعل أو المتدخل وفق كل حالة على حدة».
أما بالنسبة للراشد الذي يعرض أعضاءه للبيع مقابل بدل مادي دون إكراه أو استغلال متذرعاً بموافقته على عملية البيع، ولا يدخل ضمن أي فئة من الفئات المذكورة في هذا البروتوكول، وهذا مستحيل من الناحية العملية، «يعتبر في هذه الحالة العقد باطلاً لمخالفته للنظام العام والآداب العامة، إذ إن موضوع عقد البيع ينبغي أن يكون مشروعاً وغير مخالف للنظام العام أو الآداب العامة، وفي هذه الحالة موضوع البيع هو بيع الأعضاء، وهو أمر غير مشروع ومخالف للنظام العام والآداب العامة».
أما بالنسبة للتبرع بالأعضاء، دون أي بدل بدافع المحبة أو القرابة، «فينبغي التدقيق جيداً في العلاقة بين المتبرع والمتلقي وطبيعتها وشخص كل منهما والدافع وغيرها من الظروف، مع الميل الكلي إلى التشدد في تفسير الوقائع».
وفيما يتعلّق بطرق مكافحة الإتجار بالأعضاء، يرى المهتار أنّ التشريعات الدولية أو الوطنية لا تكفي في هذا الإطار؛ «فالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان اهتمت بالخطوط الحقوقية العريضة، وتركت التشريعات الوطنية لكل دولة كي تدير أمورها القانونية حسب مفاهيمها وظروفها ونظامها العام؛ كذلك الأمر بالنسبة للعهود الدولية». ويتابع: «أما بالنسبة لبروتوكول باليرمو 2000، فقد اهتم بالأطفال بشكل خاص، ومدّد عمر الطفولة ليبلغ الثماني عشرة سنة».
ويتساءل المهتار: «ماذا عن البالغين الذين أتموا 18 سنة والذين يعانون من فقر أو ظروف صعبة، فهانت عليهم طبيعتهم الآدمية وقبلوا مهانة الإتجار بأعضائهم، ألا يستحقون الحماية أيضاً؟»، مضيفاً: «هذا مطلوب، لا سيما على ضوء الحاجة المتزايدة للأموال أو الطموحات الشخصية من جهة الضحية، والحاجة الطبية للمتلقي، ويبقى الوسيط الذي عادة ما يكون عبارة عن عصابات الإتجار بالبشر وهي الجهة الثالثة بهدف جني الأرباح. وهذا ما يتطلب سن تشريعات دولية ووطنية تحكم القبضة القانونية على هذه الظاهرة الخطيرة على البشرية، وتوثق التعاون الدولي بين الأجهزة الأمنية والقضائية والاجتماعية لمكافحة هذه الظاهرة ومساعدة الضحايا وتأهيلهم».
لا ظاهرة لبيع الأعضاء في لبنان؛ نعم رئة لبنان تختنق من قلّة الأوكسجين، وقلب لبنان يتألم، وعقل لبنان عالق بفوضى التفكير، وجيبة اللبناني ممزقة، وخطواته مرهقة.... لكن الحقيقة هناك مبالغة في نشر أخبار مضلّلة لتصوير الوضع، تضرّ أكثر ما تنفع. نقلنا أعلاه ما أكدته جهات رسمية، مع خطوات متابعة نقضت حديث كثيرين؛ وإن كنا لا نستبعد في وطن يأكله الفساد أن يكون مادة دسمة لترويج أخبار بعضها حقيقي، وبعضها «صيّت واسترح».

«المجلة» تغوص في رحلة اللبناني الكادحة بحثاً عن الدواء
font change

مقالات ذات صلة